Abd AlFarra (عبدالرحمن الفرّا)
Workshop: City production: between the usual and the exceptional- 2021
يتبع الكوارث تغيرات ديموغرافية عديدة سواء كانت على شكل نزوح، اغتراب، لجوء وغيره وهي على اختلافها فقد يمكن رسم خط زماني عام لها تقسم الى
أولا: لحظة المغادرة
ثانيا: المرحلة الانتقالية: وهي ما تحدد شكل المسار وتقسمه الى : أ- التأقلم مع الواقع الجديد / ب-الرفض
ثالثا: الاندماج مع المكان الجديد أو العودة رغم الخطر أو التقوقع على الذات
حاولت التطرق الى معاني التأقلم والاندماج والانتماء وتحديد واقعيته وماهيته على شعوب احتضرت الكوارث كالحرب في سوريا وشكلت تلك التغيرات، للنظر الى إمكانية خلق المسار المثالي يمكن المغادر من الوصول الى حالة الاندماج الكامل مع الحاضن وإبقاء أواصر الانتماء للوطن الام بفرض ان هذه العلاقة هي المثالية لجميع الأطراف حيث الفرد أكثر راحة في واقعه، الحاضن يخدم بأفراد منتجة ومندمجة، الوطن الأم لم يقطع من ذاكرة أبنائه
..من تجربة شخصية
عند اسقاط تجربتي الشخصية لتحليل إمكانية الوصول لهذا المسار فاني قد غادرت سوريا في أواخر 2013 ورجعت عند انتهاء الصراع المسلح في دمشق في أواخر 2018 بدافع مشاعر انتمائي لسوريا، اما خلال فترة المغادرة الاضطرارية فقد عشت ضمن اندماج كاف للتفاعل والإنتاج في بلدين مختلفين (مصر-السعودية)
وعند التحليل الاولي لسبب وصولي لهذا المسار فقد ارجعته الى المرحلة الانتقالية عندما حاول اهلي -كطفل- تمهيد فترة ارهاصات التأقلم بتحويل تلك الفترة ل “ويكند طويل ” بمعنى انهم عملوا على تحويل مسكني في مصر كرحلة طويلة الى مصيف العائلة في الزبداني في سوريا بخلق نفس الجو ماديا ومعنويا باختيار مكان السكن كسكن مشترك بفيلا طابقية مع عمومي وعائلتي كاعادة لسناريو الافراد والاحداث التي عشناها في الويكند السوري

يمكن تمثيل مرحلة ارهاصات التأقلم بأفعال وردات أفعال من الفرد على المكان وبالعكس، أي ان الفرد يقوم بفرض نشاطاته على المكان وفي بعض الأوقات فإن المكان يتغير حسب ما فرض عليه وفي أوقات اخر قد يرفض المكان هذا التغيير وبالتالي فإن الفرد سيتغير للتأقلم مع المكان وحدوده. وبالنهاية فقد ينتج مكان وفرد هجينان يتقبلان بعضهما
في حالتي فان هنالك بعض النشاطات التي استطعنا خلق استمرارية لها بتغيير المكان و خلق نفس الجو العام لها كاللعب في الكرة و شواء الاهل الى جانبنا. و قد وصل التغيير للعناصر المادية بزرع نفس الشجار و إعادة خلق نفس الفراغ بالجلسات وعناصر مشابهة .أما في بعض الحالات فقد اضطررنا للتطويع على حسب قوانين المكان مثل انتظار الباص الصباحي بجوار كلب حراسة يوميا ما كان يشكل مصدر خوف الى ان صار مشهد عادي في حياتا اليومية و عدم الاقتراب او الجلوس في أماكن محددة وقد شمل المكان بعض العناصر الفارقة بين ما هو مؤقت كعطلة أسبوعية واستمراري كحياة يومية مثل المسكن نفسه و فراغاته الداخلية، ورموز اخر ساعدت على تقبل التغيير الدائم كعلم مصر على اعلى المبنى. وبهذا فقد خلقنا كأفراد عرفت حدودها وشروط اقامتها في المكان الجديد مع الإبقاء على طابع الارتباط بالمكان الام
لهموم جمعية..
لعكس هذه التجربة على صورة أوسع ولاختبار حقيقة هذا المسار وتكونه لدي ودور المكان الانتقالي في تصويره فقد قمت باستبيان كانت نتيجته 25 حالة دراسة لفئات عمرية وأماكن وقصص مختلفة وقمت بدراسة تفصيلية لأربع حالات منتقاة منها

كانت الاسئلة تتمحور حول ثلاث محاور تم التطرّق اليها عن طرق حوار مفتوح: ما هو تعريفك للانتماء وهل تصف نفسك كمنتم لبلدك الام ؟ ما هو تعريفك للاندماج وهل تصف نفسك مندمجا في المكان الحالي؟ كيف كان إثر المكان الانتقالي عليك ؟
نتج عن الحوار عناصر كثيرة أخرى تشكك بوحدانية المسار الذي افترضته من تجربتي الشخصية، وربط عناصر أخرى تحدد الانتماء والاندماج بشكل منفصل عمّا عرفته أنا في هذا المسار وسمّيته المرحلة الانتقالية. فعوضا عن المسارات التي تخيلتها، بدا ان هنالك أنماط معيشية وشخصيات تشكل عامل مساند أو معاند لعناصر اللغة والثقافة في المكان الجديد، بالاضافة للذاكرة الأخيرة في الوطن الام والدرجة العلمية للفرد وطبيعة عمله.
بينات المغترِب في المغترَب
انتجت هذه الدراسة العامة والتحليلية ان مسار عملية الاغتراب ليس مسار خطي وانما هي عملية اعقد من ذلك. ينتقل الفرد في مراحلها بين العديد من الخيارات دون الثبات على أحدها، يناور فيها اضطرابات ومتغيرات عديدة. ففي بعض الحالات، كان شعور الانتماء للموطن الام هو متغير ايضا ولايمكن افتراض ايجابيته الدائمة، فعندما تكون المغادرة كمحاولة نجاة من الوطن الام، تتبلور في هذه التجربة ملامح رفض ونكران لهذا الوطن. يصبح هذا النكران حافزاً في المرحلة الانتقالية للاندماج كليا بالجديد. يصبح نكران الوطن القديم قبولا للوطن الجديد
تظهر الدراسة والحوارات أيضاً دوراً أقل اهمية للمرحلة الانتقالية التي افترضتها في بداية البحث، فيصبح دورها في تجارب الاخرين رديفا ليس محوريا. ظهرت عوامل محورية أخرى كاللغة وسهولتها، والشعور بالانتماء للوطن الام، والتقاطعات المجتمعية بين الوطنين، الحالة المادية ودرجة التعليم للفرد
مقياس الانتماء – The Belongo-Meter
وقد توضح ان الانتماء للمكان الام يحدد بعوامل كثيرة وفي الحالات الدراسية فقد وجد ان هنالك خمس أنواع للانتماء منها ما قد يساعد بالوصول للهدف المرجو “التعلق بالمكان بهدف الرجوع عند الإمكان” ومنها ما ينافي هذا الهدف بخلق هالة عن المكان الحالي غير واقعية ورفضه بظروفه. في الصورة ادناه شرح عن أنواع الانتماء والعوامل المرتبطة به

مقياس الاندماج- The Integro-Graph
اما الاندماج فقد بدا ان هنالك أنواع مختلفة منه، وان لكل منها فوائد مختلفة فيما يتعلق بالإنتاج واستفادة الحاضن . والصورة توضح مقياس الاندماج وانواعه والعوامل المرتبطة به

مساحة المرحلة الانتقالية – Transitional Space Affection Sensor
اما المرحلة الانتقالية فاتضح امكانية تقسيمها للانواع التالية والتي صورتها المقابلات والاستبايانات كما يلي
التقوقع: عندما يقوم الفرد الجديد او المجموعة بمحاولة فرض الكثير من هويتهم على المكان الجديد دون ابداء أي رد فعل او رفض من المكان. يأسس ذلك لامكانية ايجاد مجتمع منغلق على نفسه يعتبر الخارج بالنسبة له غريب ومخيف يحاول تجنبه
الاندماج الصحي: في الحالة المثالية والمتوازنة من فرض الفعل ورد الفعل يخلق فرد قادر على الانتقال للمجتمع الجديد ومجهز لاستقبال معتقداته دون ان يتماهى معه كليا هو قادر على التعامل لكنه يبقى متصل مع موطنه الأصل مما يخدم البلدين المضيف والأصل
الاندماج الكلي: عندما يضطر الفرد لتقبل كافة التغيرات للعيش في المكان الجديد، ينتج عن ذلك حالة غير مستقرة بين الفرد ماضيه متماهية بانتماءها للمكان الجديد ومتناسية ماضيها. ورغم سعي هذا النوع للاندماج للتماهي مع الحاضر إلا انه سيخلق فراغا في الشخص الجديد بعد نسفه لعديد من انتماءاته مما سيضعف من انتاجه وتفاعله مع حاضره بآن واحد

مختصر الرسوم والكلام – The Status Chart
كان من اكثر تحديات هذا المشروع اختزال تجارب سنين من حياة الاشخاص بمسارات تشبه المعادلات الرياضية، ليتضح ان اي محاولة لاختزال كهذا هو فعل تجريدي لتجارب الهجرة عن سياقها وتفاصيلها. لكن ذلك لا يعني بالضرورة التقليل من شأن التفاصيل أو الادعاء أن هذا التجريد هو الصورة الوحيدة التي تعكس واقع تجارب الهجرة والنزوح. على العكس، ادى هذا التجريد للوصول لرسم بياني يوضح علاقات الاشخاص مع هوياتهم السابقة والحالية والمستقبلية بين رفض وقبول. اما اشكال هذه الهويات وطرق التعبير عنها فهو ما يعطي لكل حالة خصوصيتها، ولونها، واسرارها.
