اسواق موازية Parallel Markets

Duha AnNoury (ضحى النوري)

Workshop: City production: between the usual and the exceptional- 2021

يشكل البيع غير الرسمي جزءاً لا يتجزأ من عمران المدينة، لكن غالباً ما تتم فلترة الجزء المتعلق به من المدينة وحصر الجانب المرضي عنه بالبيع التقليدي والمنتجات الشعبية، أما البيع الذي يقوم على منتجات يومية ومعاصرة يتم وضعه في خانة المشاكل التي يجب إيجاد حلول لها؛ تختلف هذه الحلول بين ضرائب أو إزالة أوعزل هذا النشاط في فراغ عمراني حتى لا يشوه المدينة. انطلاقاً من فرضية تعاكس هذا الاعتبار يلقي المشروع الضوء على البيع غير الرسمي باعتباره نشاطاً يشكل نظاماً تكيفياً قائماً في المدينة ومتداخلاً مع نظام البناء مسبق التخطيط pre-planned system، كما أن هذا النظام هو جزء من التنوع في المدينة لا دخيل عليها (باعتبار التنوع أصل في مفهوم المدينة) نظراً لفشل المحاولات السابقة في إنكاره أو عزله، لذلك إن فهم هذا النظام وسلوكه في المدينة هو عامل من عوامل تحليل الفراغ العمراني وتقييم جودته. أما عن الخلل الذي يسببه بالفراغ العام فليس بسبب وجوده، إنما الفراغ العام غير مجهز لاحتضان نشاط شارع بشري في الأصل، أو أن كثافة الأماكن الملائمة لحدوث نشاط كهذا قليلة نسبياً، لذلك إن تواجد مثل هذه الأحداث يسبب خللاً في النظام المرسوم للمدينة.

يقول أرسطو “المدينة مؤلفة من مجموعات الأشخاص المختلفين، لا يمكن خلق مدينة من أشخاص متشابهين.”

إذا كان الاختلاف سمة من سمات المدينة، فإن المشروع يهدف إلى الاعتراف بحق الأشخاص المنتفعين من النشاط بالفراغ العام، حيث أن الظاهرة نشاط بشري يقصد منه الانتفاع المتبادل، ويعزز التنوع والتمازج الاجتماعي بالمدينة ويجعلها أقرب لكونها مدينة للجميع. وعن طريق توثيق أساليب انتشار وتكيف هذه الأنشطة، تنتج إمكانية توقع الأماكن التي قد تحتويها مستقبلاً، وقد يساعد القائمين على تنظيم وتخطيط المدينة بالتعامل معها تصميمياً وقانونياً، وتلافي الآثار السلبية التي يسببها تجاهل وجود البيع غير الرسمي.

بدأ البحث بملاحظات شخصية، ثم محاولة تحليل الصور المتنوعة وإيجاد الروابط بينها، وإعادة تصنيفها حسب هذه الروابط. تم إيجاد ثلاثة تصنيفات رئيسية كما هو موضح في الجدول أدناه، فبنية النشاط تصف الفراغات التي يحتاجها البائع، حيث أن تكوين هذه الفراغات والمعدات المستعملة لذلك ووزنها وإن كانت ثابتة أم لا تنقل دراسة النشاط إلى المستوى الثاني وهو دراسة البنية الفيزيائية التي تحتوي الفراغات التي يحتاجها النشاط، باختلاف البنية التي يستند إليها البيع غير الرسمي واختلاف نوع البضائع ( لم يتم التطرق إلى دراسة ممنهجة لنوع البضائع ) يتم تحديد العوامل الزمنية التي تأتي في قسمين القسم النهاري (قسم البيع ) والقسم الليلي ( قسم التخزين في حالة عدم البيع )، التصنيفين السابقين (البنية والوقت) يوصّفان النشاط بحد ذاته أما التصنيف الثالث فيتحدث عن علاقة البيع غير الرسمي مع الفراغ العام في المدينة إما كنشاط فردي (بسطة واحدة) أو إن كان سلوك التجمع لعدة بسطات.

بنية النشاط أسس زمنية
الفراغات المطلوبة مقياس (مؤقت – دائم)
منطقة العرضالعلاقة الفراغية مع المدينةمؤقت
منطقة التخزينإيجاد مكان للنشاطشبه دائم
منطقة المراقبةتراكبدائم
المظلةمحاكاةثابت
 انتشارموسمي
مكان العرضتنافر 
مدةحركةالاختفاء ليلاً
عربةحالات خاصة اجتماعيةنقل
جدار تغطية/إخفاء
بنية بسيطة تأمين
الاطار المنهجي والنظري للدراسة


المواقع

تم التقاط الصور في مواقع مختلفة من دمشق، تشكل هذه المواقع تقاطعات وعقد متشابكة من العلاقات البشرية، حيث أن هذه المواقع هي مسارح للبيع غير الرسمي بعضها معروف بسبب هذا البيع وبعضها يتداخل فيه هذا البيع مع البيع الرسمي. تختلف بنية هذه المواقع عمرانياً واجتماعياً، فبعضها يقع داخل المدينة القديمة مثل الحريقة ومحيطها وامتداد مقهى النوفرة بجوار الجامع الأموي، والبعض الآخر يقع بين المدينة القديمة والحديثة مثل سوق الهال القديم ومحيطه في شارع الثورة، أما القسم الثالث فيقع في امتداد دمشق الحديثة في سوق الصالحية وشارع الحمراء.

صورة 02 الأجزاء التي التقطت فيها الصور من دمشق 1 – النوفرة 2 – الحريقة 3 -سوق الهال القديم/ شارع الثورة 4 – شارع مسلم البارودي 5 -سوق الصالحية – شارع الحمراء 6 -سوق الجمعة – الشيخ محي الدين

إن اختلاف هذه المواقع من حيث البيئة المبنية والمجموعات البشرية التي ترتاد المكان يظهر تنوعاً في العلاقة بين الفراغ العام والبيع غير الرسمي، لكنها بذات الوقت تجعل البنية التحتية تظهر بوضوح أكبر كتقاطعات يمكن ملاحقتها لفهم العلاقة بين المنتج (البيع غير الرسمي) والمحرك له (الحاجة).


البنية الفيزيائية

لشخص قائم على بسطة هناك عدة فراغات لازمة، تظهر هذه الفراغات وتختفي فهي غير ثابتة بصرياً لكن يمكن فهم أسباب الاختفاء وكيف يتم تعويضها. هذا القسم هو عرض بصري لحالات مختلفة ضمن التصنيفات السابقة ومحاولة فهمها مما يساعد في المرحلة التالية على فهم العلاقة مع المدينة.

المدّة

البنية الفيزيائية الأبسط المستخدمة للبيع الطرقي، وهي استخدام قطعة قماشية أو أكياس وعلب البضائع لعرضها، يميز هذا الأسلوب أنه سهل الفرد والإزالة ولا يترك أثراً ليلاً، وأنه أسلوب لنقل البضائع إلى المستهلك دون وسيط.

العربة

إن العربة هي أداة بيع متنقلة كمفهوم لكن يوجد عدة حالات لهذا. ففي الأماكن المسقوفة يمكن مشاهدة شخص يجر عربة، أما خارجاً فيمكن أن يقف البائع في منطقة مظللة نهاراً ويعود بها ليلاً، أو يمكن أن تشاهد العربة ثابتة ليلاً نهاراً ويتم تغطيتها وتأمين البضائع بسلسلة وقفل.

التعليق الشاقولي

يستخدم التعليق كوسيلة لتعبئة المساحات غير المستخدمة من الجدران أو بين المحلات، أو توضع في فراغ مكشوف لجذب النظر للمعروضات، هذا الأسلوب يستخدم معدات بسيطة من حبال ومسامير، الجدير بالذكر عن هذا الأسلوب هو أن هذه المعدات لا تترك أثراً يذكر ليلاً عند إزالة البضائع.

بنية بسيطة من أدوات عرض وتخزين

تتنوع هذه الفئة بشكل متفاوت للغاية فمن طاولة ومعروضات، إلى تشكيل معقد لفراغ العرض والتخزين والجلوس والمظلات، ومحاولة لجذب انتباه المارة بطريقة ترتيب البضائع، وكلما زاد تعقيد التركيب زادت صعوبة إزالته وزاد وقت إعادة ترتيبه صباحاً.

الأكشاك

منشأة بسيطة لكن متينة نوعا ما، غالبا ما تخزن أدوات العرض الخارجية داخلها. الجزء الأهم أن الأكشاك تشكل مركزاً لتجمع بعض النشاطات على أطرافها بسبب متانة الجسم والظل الذي يرميه وإمكانية تركيب مظلة.


عازف الناي

بائع نايات عراقي الأصل يجلس قرب الرصيف ويقوم بصنع النايات من القصب وبيعها ويعزف أحياناً لتعليم المشترين استخدامها.


المظلات

تعتبر تغطية الفراغ نقطة مهمة ليستطيع الشخص تحمل عدم وجود ملاذ مبني من قساوة الطقس وحماية بضاعته، وهي طريقة من طرق إثبات الحق في المكان والمحافظة عليه في حال كانت مظلة مثبتة. تخلف المواد المستخدمة للتظليل من مظلات مصنعة إلى أقمشة تظليل (شوادر) قماشية وبلاستيكية أو أحياناً بواقي قماشية متنوعة.


ماذا يحدث ليلاً؟

إن هذا النشاط بطبيعته يترافق مع وجود نشاط بشري في السياق العمراني الحاضن، فهو في أغلب الأوقات يتواجد نهاراً، وبسبب تنوع ثبات هذا النشاط بين تواجده كل يوم أو تواجده في أوقات محددة تختلف طريقة التخزين والتأمين ليلاً، فالبعض يأخذ كل متعلقاته معه والآخر يترك أدوات العرض بعد تأمينها والآخر يترك كل شيء مع تغطيته باستخدام قطعة قماش او أغراض ثقيلة أو سلسلة وقفل.


بعض الأطفال الذين يقومون ببيع الورد الأحمر جلسوا على الأرض لتناول وجبة خفيفة

العلاقة مع المدينة

تهدف دراسة علاقة الفراغات التي يشغلها النشاط مع فراغات المدينة إلى إلقاء الضوء على وجود هذه الأنشطة كجزء من المدينة ككل، وليس كنظام منفصل. فيما يلي ستة علاقات يمكن ملاحظتها من خلال مراقبة علاقة البسطة الواحدة مع الفراغ المحيط أو تصرف لعدة بسطات معاً.

تراكب

في هذا النوع من العلاقة تظهر صفة التكيف في البيع غير الرسمي، وتتم ملاحظة هذه العلاقة على مقياس بسيط إفرادي في أغلب الأحيان، حيث توجد انتهازية في إيجاد الفرص والمكان لتعبئة الفراغات المتاحة في الأسواق أو الشوارع. أمثلة على هذه العلاقة استخدام واجهات المحلات المغلقة أو زاوية الرصيف.

انتشار

تظهر هذه العلاقة على حدود الفراغات المدينية المصمتة، كجدران أثرية دون فتحات فعالة، سور مبنى حكومي أو حديقة، أو داخل بقع مهملة او ذات علاقة ضعيفة مع المباني المجاورة. وقد يتواجد كشريط أو بقعة تبعاً لمحددات الفراغ العمراني.

تُظهر العلاقة التضاد بين حدود الفراغ المديني الواضح وحدود نشاط البيع الأقل وضوحاً.

تنافر

إن غياب النشاط في بقعة معينة قد يعطي إشارة أيضا مثل وجوده. بعض الأسواق التي يتواجد فيها البيع الطرقي يختفي النشاط في بقعة معينة مثل منشأة ذات وضع أمني خاص أو بعض الأماكن بظروف جوية سيئة.

محاكاة

يقصد بالمحاكاة هنا محاكاة السياق العمراني الحاضن.

يتم ملاحظة هذا الانتشار على مقياس واسع أو تفصيلي، فبالمقياس الواسع مثلاً تتم محاكاة الأسواق الشريطية بتجمع شريطي مشابه (سوق الحمراء)، أما بالمقياس التفصيلي بملاحظة أسلوب عرض البضائع تتم محاكاة أساليب العرض على واجهات المحلات التجارية (ستاند الأحذية). هنا يمكن التوقف للتفكير هل أن محاكاة السياق العمراني المنظم هي نوع من التكيف أو جاءت بسبب المفهوم الشائع عن أن نظام البناء الرسمي هو الأصل.

حركة

يظهر هذا النوع من العلاقة دخول العامل الزمني وأثره على الحدود الفيزيائية للنشاط، وكذلك الحدود الذهنية غير القاسية. تكثر النشاطات المتحركة في بيئات تساعد على ذلك مثل: بيئة بحماية جيدة من الظروف جوية أو بيئة صديقة للمشي والجلوس.

حالات خاصة اجتماعية

تنشأ هذه العلاقة نتيجة تفاهم واتفاق بين الطرفين المضيف والمضاف مثل تجمع بعض الأنشطة على الاكشاك، أو جلوس أصحاب بعض البسطات امام واجهات المحلات التجارية.


أحد البائعين في سوق البضائع المستعملة كان يبيع كتباً وأشياءً أخرى توقفت لأرى ما يعرض ودار معه حديث طويل ولطيف حول المكان جعلني أنظر له براحة أكبر.

الاحتفال

وختاماً؛ فيما يلي صور التقطت في مكان واحد، سوق يجمع البضائع المستعملة مع بضائع بأسعار رخيصة نسبياً. يقع المكان بالقرب من مركز العاصمة دمشق وعلى الحد الفاصل بين جدار المدينة القديمة والتوسع، لا أستطيع الجزم لكنني أعتقد أن شرارة الدراسة السابقة اشتعلت هنا. هنا تنشغل كل الحواس التي همّت بالاكتشاف، ليس بسبب صوت عذب أو رائحة شهية، بل العكس تماماً؛ ترك المكان داخلي في الزيارة الأولى ذكريات منفرّة غير مرحبة بالعودة مرة أخرى امتزجت بقليل من الخوف، لكنها محاولات النجاة هي التي استوقفتني مرة تلو الأخرى، إما لأتمشى أو ألتقط بعض الصور بيد مرتعشة، أو محاولات ساذجة للحديث مع البائعين.

Leave a Reply

Fill in your details below or click an icon to log in:

WordPress.com Logo

You are commenting using your WordPress.com account. Log Out /  Change )

Twitter picture

You are commenting using your Twitter account. Log Out /  Change )

Facebook photo

You are commenting using your Facebook account. Log Out /  Change )

Connecting to %s